قصه حياه سيدنا موسى عليه السلام - الجزء الخامسموسى والعبد الصالح:قالتعالى:{وَإِذْقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىأَبْلُغَمَجْمَعَالْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}... (الكهف).
كانلموسى-عليهالسلام- هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،، وأنه كان يقصد منورائهاامرا، فهويعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة،ومهمايكن الزمنالذي ينفه في الوصول. فيعبر عن هذا التصميم قائلا {َوْأَمْضِيَحُقُبًا}.
نرىأن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذيوقت فيهالحوادث، ولا يحدد لناالتاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. ولميبين ماهيةالعبد الصالح الذيالتقاه موسى، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟أم ولي؟
اختلفالمفسرون فيتحديد المكان، فقيل إنه بحر فارسوالروم، وقيل بل بحر الأردنأو القلزم،وقيل عند طنجة، وقيل في أفريقيا،وقيل هو بحر الأندلس.. ولايقوم الدليل علىصحة مكان من هذه الأمكنة، ولوكان تحديد المكان مطلوبالحدده الله تعالى..وإنما أبهم السياق القرآنيالمكان، كما أبهم تحديدالزمان، كما ضبب أسماءالأشخاص لحكمة عليا.
إنالقصة تتعلق بعلم ليسهو علمنا القائم علىالأسباب.. وليس هو علم الأنبياءالقائم على الوحي..إنما نحن أمام علم منطبيعة غامضة أشد الغموض.. علمالقدر الأعلى، وذلك علمأسدلت عليه الأستارالكثيفة.. مكان اللقاء مجهولكما رأينا.. وزمان اللقاءغير معروف هو الآخر..لا نعرف متى تم لقاء موسىبهذا العبد.
وهكذاتمضي القصة بغير أن تحددلك سطورها مكان وقوعالأحداث، ولا زمانه، يخفيالسياق القرآني أيضا اسم أهمأبطالها.. يشيرإليه الحق تبارك وتعالى بقوله:{عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاآتَيْنَاهُرَحْمَةً مِنْ عِندِنَاوَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}هو عبدأخفى السياق القرآني اسمه..هذا العبد هو الذي يبحث عنه موسى ليتعلممنه.
لقدخص الله تعالىنبيه الكريم موسى -عليه السلام- بأمور كثيرة.فهو كليم اللهعز وجل، وأحدأولي العزم من الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد،والنبي الذيأنزلت عليهالتوراة دون واسطة، وإنما كلمه الله تكليما.. هذاالنبي العظيميتحول فيالقصة إلى طالب علم متواضع يحتمل أستاذه ليتعلم.. ومنيكون معلمهغير هذاالعبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه.
وإنحدثتنا السنةالمطهرةأنه هو الخضر -عليه السلام- كما حدثتنا أن الفتى هويوشع بن نون،ويسيرموسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله بغير أسبابالتلقي النينعرفها.
ومعمنزلة موسى العظيمة إلا أن الخضر يرفض صحبةموسى..يفهمه أنه لن يستطيع معهصبرا.. ثم يوافق على صحبته بشرط.. ألا يسألهموسىعن شيء حتى يحدثه الخضرعنه.
والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنهلايتحدث، وتصرفاته تثيردهشة موسى العميقة.. إن هناك تصرفات يأتيهاالخضروترتفع أمام عيني موسىحتى لتصل إلى مرتبة الجرائم والكوارث..وهناكتصرفات تبدو لموسى بلا معنى..وتثير تصرفات الخضر دهشة موسىومعارضته..ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجدنفسه في حيرة عميقة من تصرفاتهذا العبدالذي آتاه الله من لدنه علما.
وقداختلف العلماء في الخضر:فيهم منيعتبره وليا من أولياء الله، وفيهم منيعتبره نبيا.. وقد نسجتالأساطيرنفسها حول حياته ووجوده، فقيل إنه لا يزالحيا إلى يوم القيامة،وهي قضيةلم ترد بها نصوص أو آثار يوثق فيها، فلانقول فيها إلا أنه مات كمايموتعباد الله.. وتبقى قضية ولايته، أو نبوته..وسنرجئ الحديث في هذهالقضيةحتى ننظر في قصته كما أوردها القرآن الكريم.
قامموسى خطيبافي بنيإسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم عن الحق، ويبدو أنحديثه جاءجامعامانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد المستمعينمن بنيإسرائيل:هل على وجه الأرض أحد اعلم منك يا نبي الله؟
قال موسى مندفعا: لا..
وساق الله تعالى عتابه لموسى حين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟
أدرك موسى أنه تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
تاقتنفسموسىالكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبةهذاالعبدالعالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه حوتافيمكتل،أي سمكة في سلة..
وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياةلهذاالحوتويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى -طالب العلم-ومعهفتاه..وقد حمل الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالحالعالم..وليستلديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتدادالحياةللسمكةالقابعة في السلة وتسربها إلى البحر.
ويظهر عزم موسى-عليهالسلام-على العثور على هذا العبد العالم ولو اضطره الأمر إلى أنيسيرأحقاباوأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل ثمانون عاما. على أية حالفهوتعبير عنالتصميم، لا عن المدة على وجه التحديد.
وصل الاثنانإلىصخرة جوارالبحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس، وبقي الفتى ساهرا..وألقتالرياح إحدىالأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياةوقفزإلى البحر..{فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا}.. وكانتسربالحوت إلى البحرعلامة أعلم الله بها موسى لتحديد مكان لقائهبالرجلالحكيم الذي جاء موسىيتعلم منه.
نهض موسى من نومه فلم يلاحظأنالحوت تسرب إلى البحر..ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقعللحوت..وسار موسى مع فتاه بقيةيومهما وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكرموسىغداءه وحل عليه التعب..{قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَالَقَدْلَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَانَصَبًا}.. ولمع في ذهن الفتى ما وقع.
ساعتئذتذكرالفتى كيف تسربالحوت إلى البحر هناك.. وأخبر موسى بما وقع، واعتذرإليه بأنالشيطان أنساهأن يذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع، فقد اتخذالحوت{سَبِيلَهُ فِيالْبَحْرِ عَجَبًا}.. كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بننون،لقد رأى الحوتيشق الماء فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.
سعدموسىمنمروق الحوت إلى البحر و{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}.. هذاماكنانريده.. إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي فيه بالرجلالعالم..ويرتدموسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر إلى بداية القصة،وكيف تجيءغامضةأشد الغموض، مبهمة أعظم الإبهام.
أخيرا وصل موسى إلىالمكانالذيتسرب منه الحوت.. وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها، وتسربعندهاالحوت منالسلة إلى البحر.. وهناك وجدا رجلا.
يقول البخاري إن موسى وفتاه وجدا الخضر مسجى بثوبه.. وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.
فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟
قال موسى: أنا موسى.
قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.
قال موسى: وما أدراك بي..؟
قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي.. ماذا تريد يا موسى..؟
قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.
قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى {إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
نريدأننتوقفلحظة لنلاحظ الفرق بين سؤال موسى الملاطف المغالي في الأدب..وردالخضرالحاسم، الذي يفهم موسى أن علمه لا ينبغي لموسى أن يعرفه، كماأنعلم موسىهو علم لا يعرفه الخضر..
يقول المفسرون إن الخضرقاللموسى: إن علميأنت تجهله.. ولن تطيق عليه صبرا، لأن الظواهر التيستحكمبها على علمي لنتشفي قلبك ولن تعطيك تفسيرا، وربما رأيت في تصرفاتيما لاتفهم له سببا أوتدري له علة.. وإذن لن تصبر على علمي يا موسى.
احتملموسىكلمات الصدالقاسية وعاد يرجوه أن يسمح له بمصاحبته والتعلم منه..وقال لهموسى فيماقال إنه سيجده إن شاء الله صابرا ولا يعصي له أمرا.
تأمل كيف يتواضع كليم الله ويؤكد للعبد المدثر بالخفاء أنه لن يعصي له أمرا.
قالالخضرلموسى-عليهما السلام- إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه موسىويتعلممنه هوألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى على الشرطوانطلقا..
انطلقموسىمع الخضر يمشيان على ساحل البحر.. مرت سفينة،فطلب الخضر وموسى منأصحابهاأن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضرفحملوه وحملوا موسى بدونأجر، إكراماللخضر.
وفوجئ موسى حين رستالسفينة وغادرها أصحابهاوركابها.. فوجئبأن الخضر يتخلف فيها، لم يكدأصحابها يبتعدون حتى بدأالخضر يخرق السفينة..اقتلع لوحا من ألواحهاوألقاه في البحر فحملتهالأمواج بعيدا.
فاستنكرموسى فعلة الخضر.لقد حملنا أصحاب السفينةبغير أجر.. أكرمونا.. وها هو ذايخرق سفينتهمويفسدها.. كان التصرف من وجهةنظر موسى معيبا.. وغلبت طبيعةموسى المندفعةعليه، كما حركته غيرته علىالحق، فاندفع يحدث أستاذه ومعلمهوقد نسي شرطهالذي اشترطه عليه: {قَالَأَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَالَقَدْجِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}.
وهنايلفت العبد الرباني نظر موسىإلىعبث محاولة التعليم منه، لأنه لن يستطيعالصبر عليه {قَالَ أَلَمْأَقُلْإِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}،ويعتذر موسى بالنسيانويرجوهألا يؤاخذه وألا يرهقه {قَالَ لَاتُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُوَلَاتُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}.
سارامعا.. فمرا علىحديقةيلعب فيها الصبيان.. حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كلواحد منهمناحيةواستسلم للنعاس.. فوجئ موسى بأن العبد الرباني يقتلغلاما.. ويثورموسىسائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله هكذا..يعاودالعبدالرباني تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه {قَالَأَلَمْأَقُللَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا}..
ويعتذرموسىبأنهنسي ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى سيكون من حقه أنيفارقه{قَالَإِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِيقَدْبَلَغْتَمِن لَّدُنِّي عُذْرًا}.
ومضى موسى مع الخضر.. فدخلاقريةبخيلة..لا يعرف موسى لماذا ذهبا إلى القرية، ولا يعرف لماذا يبيتانفيها،نفذ مامعهما من الطعام، فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما..وجاءعليهماالمساء، وأوى الاثنان إلى خلاء فيه جدار يريد أن ينقض.. جداريتهاوىويكاديهم بالسقوط..
وفوجئ موسى بأن الرجل العابد ينهض ليقضيالليلكلهفي إصلاح الجدار وبنائه من جديد.. ويندهش موسى من تصرف رفيقهومعلمه،إنالقرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني {قَالَلَوْشِئْتَلَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}.. انتهى الأمر بهذه العبارة..قالعبدالله لموسى: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}.
لقد حذر العبد الرباني موسى من مغبة السؤال. وجاء دور التفسير الآن..
إنكلتصرفاتالعبد الرباني التي أثارت موسى وحيرته لم يكن حين فعلها تصدرعنأمره.. كانينفذ إرادة عليا.. وكانت لهذه الإرادة العليا حكمتهاالخافية،وكانتالتصرفات تشي بالقسوة الظاهرة، بينما تخفي حقيقتها رحمةحانية..وهكذا تخفيالكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة.
وترتديالنعمثياب المصائبوتجيد التنكر، وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه، ولايعلمموسى، رغم علمهالهائل غير قطرة من علم العبد الرباني، ولا يعلمالعبدالرباني من علم اللهإلا بمقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقارهفيالبحر، من ماء البحر..
كشفالعبد الرباني لموسى شيئين فيالوقتنفسه.. كشف له أن علمه -أي علم موسى-محدود.. كما كشف له أن كثيرامنالمصائب التي تقع على الأرض تخفي في ردائهاالأسود الكئيب رحمة عظمى.
إنأصحابالسفينة سيعتبرون خرق سفينتهممصيبة جاءتهم، بينما هي نعمة تتخفى فيزيالمصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عنوجهها إلا بعد أن تنشب الحربويصادرالملك كل السفن الموجودة غصبا، ثم يفلتهذه السفينة التالفةالمعيبة..وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو،فلا يموتون جوعا.
أيضاسيعتبروالد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قددهمتهما لقتل وحيدهما الصغيرالبريء..غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمةعظمى، فإن الله سيعطيهمابدلا منهغلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهماطغيانا وكفرا كالغلامالمقتول.
وهكذاتختفي النعمة في ثياب المحنة،وترتدي الرحمة قناعالكارثة، ويختلف ظاهرالأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبيالله موسى إلى تصرفيجري أمامه، ثميستلفته عبد من عباد الله إلى حكمةالتصرف ومغزاه ورحمةالله الكلية التيتخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.
أماالجدار الذيأتعب نفسه بإقامته،من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية، كانيخبئ تحتهكنزا لغلامين يتيمينضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار ينقض لظهرمن تحتهالكنز فلم يستطعالصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما صالحافقدنفعهما الله بصلاحه فيطفولتهما وضعفهما، فأراد أن يكبرا ويشتدعودهماويستخرجا كنزهما وهماقادران على حمايته.
ثم ينفض الرجل يدهمنالأمر. فهي رحمة الله التياقتضت هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره.فقدأطلعه على الغيب في هذهالمسألة وفيما قبلها، ووجهه إلى التصرف فيهاوفقما أطلعه عليه من غيبه.
واختفىهذا العبد الصالح.. لقد مضىفيالمجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسىتعلم من صحبته درسينمهمين:تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علمالحقيقة.
وتعلمألايتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد الرحمةالخالقة تخفي سرهامناللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلاموالموت.
هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من هذا العبد المدثر بالخفاء.
والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟
يرىكثيرمنالصوفية أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء الله تعالى، أطلعهالله علىجزءمن علمه اللدني بغير أسباب انتقال العلم المعروفة.. ويرى بعضالعلماءأن هذاالعبد الصالح كان نبيا.. ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن سياقالقصة يدلعلىنبوته من وجوه:
1- أحدها قوله تعالى: {فَوَجَدَاعَبْدًامِّنْعِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَاوَعَلَّمْنَاهُمِنلَّدُنَّا عِلْمًا (65)}... (الكهف).
2-والثاني قول موسىله:{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنتُعَلِّمَنِمِمَّاعُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَمَعِيَصَبْرًا (67)وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِخُبْرًا (68)قَالَسَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِيلَكَ أَمْرًا(69)قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنشَيْءٍ حَتَّىأُحْدِثَلَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}... (الكهف).
فلوكان وليا ولميكن نبي،لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة، ولم يرد على موسىهذا الرد. ولو أنهكان غيرنبي، لكان هذا معناه أنه ليس معصوما، ولم يكنهناك دافع لموسى، وهوالنبيالعظيم، وصاحب العصمة، أن يلتمس علما من وليغير واجب العصمة.
3-والثالثأن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلامبوحي من الله وأمر منه.. وهذادليل مستقلعلى نبوته، وبرهان ظاهر علىعصمته، لأن الولي لا يجوز لهالإقدام على قتلالنفوس بمجرد ما يلقى فيخلده، لأن خاطره ليس بواجبالعصمة.. إذ يجوز عليهالخطأ بالاتفاق.. وإذنففي إقدام الخضر على قتلالغلام دليل نبوته.
4-والرابع قول الخضرلموسى: {رَحْمَةً مِّنرَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْأَمْرِي}. يعني أنما فعلته لم أفعله منتلقاء نفسي، بل أمر أمرت به من اللهوأوحي إلي فيه.
فرأى العلماء أن الخضر نبيا، أما العباد والصوفية رأوا أنه وليا من أولياء الله.
ومنكلماتالخضرالتي أوردها الصوفية عنه.. قول وهب بن منبه: قال الخضر: ياموسى إنالناسمعذبون في الدنيا على قدر همومهم بها. وقول بشر بن الحارثالحافي..قال موسىللخضر: أوصني.. قال الخضر: يسر الله عليك طاعته.
ونحننميلإلىاعتباره نبيا لعلمه اللدني، غير أننا لا نجد نصا في سياق القرآنعلىنبوته،ولا نجد نصا مانعا من اعتباره وليا آتاه الله بعض علمهاللدني..ولعل هذاالغموض حول شخصه الكريم جاء متعمدا، ليخدم الهدف الأصليللقصة..ولسوف نلزممكاننا فلا نتعداه ونختصم حول نبوته أو ولايته.. وإنأوردناه فيسياق أنبياءالله، لكونه معلما لموسى.. وأستاذا له فترة منالزمن.