قصة سيدنا يونس فى بطن الحوت

في معرض سردنا لقصة سيدنا يونس في العدد الماضي. انتقلنا إلي قوله تعالي: "إذ أبق إلي الفلك المشحون" ومعني "ابق" كما جاء في كتب اللغة هو الهروب ولعل هروب يونس من قومه حدث لما رآهم قد كذبوه وأجمعوا علي قتله فالمغاضبة كانت من الطرفين مما أدي إلي مفارقتهم توقيا من آثار غضبهم.
وخرج يونس باجتهاد من قرية إلي قرية أخري لعله يجد فيه من يؤمن به.. ويستجيب لدعوته ولعله حاكي سيدنا لوطا عليه السلام في خروجه من "سدوم" حين علم أن العذاب نازل بأهلها.
لكن الفرق بين الخروجين كبير فلوط عليه السلام قد أمره الله بالخروج فخرج بخلاف يونس فإنه لم يؤمر بالخروج فلماذا خرج!
ولذلك عاقبه الله علي خروجه هذا بحبسه مدة في بطن الحوت ولم يكن هذا عقابا علي ذنب اقترفه ولكن كان علي خطأ وقع فيه وخطؤه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقوله تعالي في سورة الأنبياء: "وظن أن لن نقدر عليه" معناه: أن لن نضيق عليه بمحاصرته في السفينة وسجنه في بطن الحوت ورده إلي بلده مرة أخري للقاء هؤلاء الذين أغضبهم وأغضبوه.
وسورة الصافات لم تبين هذا الظن الذي وقع في قلبه كما لم تبين سورة الأنبياء أنه ركب في الفلك المشحون وأن من في الفلك قد طرحوا هذا السهام لإلقاء الهارب من سادته في اليم ولكن بينته سورة الصافات.
وبينما لم تبين سورة الصافات ما قاله يونس عليه السلام في تسبيحه بينته سورة الأنبياء فقال جل شأنه: "فنادي في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
وقد قال الله في سورة الأنبياء: "فاستجبنا له ونجيناه من الغم" وبينت سورة الصافات كيفية النجاة بقوله جل شأنه: "فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" أي: طرحناه بعيدا عن الماء وهو في حالة يرثي لها من الإرهاق والحزن وأنبتنا عليه في الحال شجرة ذات ثمار تشبه القرع وقال بعض المفسرين: هو كل ما ينبسط علي الأرض ولا يقوم علي ساق كشجر البطيخ والقثاء والحنظل.
وقد أضافت سورة الصافات شيئا لم يأت له ذكر في غيرها فقد أخبر الله عز وجل أنه أرسله إلي قوم كثيري العدد يزيدون ولا ينقصون فقال جل شأنه: "وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون" والمعني: بل يزيدون فالحرف "أو" بمعني بل. كقوله تعالي "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" "البقرة:74" أي: بل أشد قسوة وكقوله تعالي في سورة النجم: "فكان قاب قوسين أو أدني" أي: بل أدني من ذلك وفي ذكر هذا العدد إشارة إلي عظمة هذا النبي في منطقه وشخصيته وقدرته علي إقناع قومه بصدق ما أرسل به إليهم.
وقد أخبر الحق جل شأنه في هذه الصورة أن القوم قد آمنوا به فمتعهم الله بحياة طيبة إلي منتهي أعمارهم فقال: "فآمنوا فمتعناهم إلي حين".
وليس هناك قرية آمنت عن بكرة أبيها إلا قوم يونس كما قال جل شأنه في الصورة التي سميت باسمه: "فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلي حين".
والخلاصة والعبرة من هذه القصة أن القلوب المؤمنة حين تمر بها تزداد إيمانا علي إيمان ويقينا علي يقين بأن الحق أحق أن يتبع وتفتح أبواب الأمل للدعاة والمرشدين في هداية الضالين والغاوين فإذا كان قوم يونس علي كثرتهم قد آمنوا به جميعا ولم يتخلف منهم عن الإيمان أحد فليس ببعيد عن الله تعالي أن يهدي الكثير والكثير من هذه الأمة المحمدية.
ومن هذه القصة تعلم النبي صلي الله عليه وسلم كيف يكون الصبر في مواطن الشدة والبأس وفي مواجهة أعداء الله وأعداء الإنسانية وكيف تكون مجالدة الفارين من دعوة الحق والضالين عن الهدي وذلك من خلال حديثه عن إباق يونس إلي الفلك المشحون وذهابه مغاضبا دون أن يصطبر علي قومه فكان من أمره ما كان ولهذا نهاه الله أن يعجل علي قومه كما تعجل يونس علي قومه فيقول جل شأنه "فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادي وهو مكظوم" أي تكون مثله في هذا الحال ومعني مكظوم: محبوس أو مهموم وليس في ذلك النهي تجريح ليونس عليه السلام ولا تقليل من شأنه بدليل قوله تعالي: "فاجتباه ربه فجعله من الصالحين". منقول
والله سبحانه تعالى أعلى وأعلم